موقع الشيخ/ عبيّد بن عبدالرحمن البيضاني

جديد المكتبة المقروءة
جديد المكتبة الصوتية
جديد دروس التفسير
جديد الأخبار


جديد المكتبة المقروءة

جديد الأخبار

جديد المكتبة الصوتية

المتواجدون الآن


تغذيات RSS

تفسير سورة الكافرون
18-07-1431 04:45

تفسير سورة الكافرون


سورة الكافرون: هي مكية
وهذه السورة تسمى (الكافرون) أخذاً من قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وتسمى سورة الكافرين على أنها مضافة لـ(سورة)، وتسمى بسورة (العبادة) وبسورة (الإخلاص) فهذه كلها أسماء مذكورة لهذه السورة، لكن إذا قلنا سورة الكافرين فالأمر ظاهر أما سورة الكافرون بثبوت الواو مع أنها مضاف والمضاف في الأصل يكون مجروراً لكن ثبوت الواو هنا والرفع في الكافرون على لفظ القرآن (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ). ولها نظائر كسورة المؤمنون وسورة المنافقون.
وهذه السورة مع سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تسمى سورتي الإخلاص كما سبق ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما في ركعتي الطواف كما في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه. وكان يقرأ بهما في ركعتي الفجر أي سنة الفجر كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ويقرأ بهما في الوتر.

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ{1}


الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وافتتحت السورة بـ قل للإهتمام بما بعد القول وأنه كلام يراد إبلاغه للناس. والمراد بالكافرون جميع الكفار فأل للعموم وإن كان كفار مكة يرادون بالدرجة الأولى والكافرون جمع كافر وهو مشتق من الكفر والكفر الستر والتغطية فسموا كفاراً لأنهم جحدوا الإيمان وستروه ولم يظهروه ولهذا يسمى الزراع كفاراً لأنهم يسترون الحب في الأرض فالكفر يشمل من جحدوا توحيد الله وربوبيته وألوهيته وكفروا برسوله صلى الله عليه وسلم. ونودوا بلفظ (الكافرون) تحقيراً لهم مع أنهم يغضبون من لفظة الكفر ولا يريدونها ولكن تحقيراً لهم وبيان أنه رسوله لا يخشاهم. طيب ماذا يقول لهم؟ يقول:

لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ{2}


هذا إعلان صريح أنه لا يعبد ما يعبدونه وهي الأصنام مناة والعزى واللات وغيرها من الأصنام. و(ما) أسم موصول لغير العاقل يعود على معبوداتهم وهي الأصنام. و اعلم أن علماء اللغة يقولون (ما) لغير العاقل و (من) للعاقل. لكن يشكل عليه أن (من) تأتي ويراد به الله كقوله تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}الملك16 فـ (مَن) اسم موصول يعود على الله فكيف نقول من: للعاقل والله لا يجوز أن نسميه أو نصفه بالعاقل لأنه لم يرد. ومن هنا قال بعض العلماء بدل العاقل نقول العالم وغير العالم فنقول (ما) لغير العالم و (من) للعالم ونسلم من هذا الإيراد. على كل حال سواء قلنا بهذا أو هذا فالغالب أن (من) للعاقل أو العالم و(ما) لغير العاقل أو لغير العالم لكن قد تأتي أحياناً (من) لغير العاقل كقوله تعالى: {فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ..}النور45، وهذا غير عاقل. وفي سورة النساء قال: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ..} النساء3، والنساء من أهل العقول وأتى بالموصول (ما) ولهذا في الآية التي بعدها (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد) أتت (ما) وهي لغير العالِم والمراد بها هنا هو الله جل وعلا فيدل أنها قد تأتي (من) بدل (ما) أو العكس وهذا لا بأس به إذا أمن اللبس وعلم المراد. نعود للآية (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ): هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم أنه لا يعبد ما يعبدون والفعل (أعبد) مضارع ليشمل الحال والاستقبال فلا أعبد ما تعبدون لا في الحال ولا في المستقبل وهذا تيئيس لهم مما طلبوا لأنه ورد عند المفسرين أنهم أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (اعبُد إلَهنا سنة ونعبد إلَهك سنة) وهذا مروي عند المفسرين وهو ليس بالقوي من حيث الصحة ولهذا يذكره بعضهم بصيغة التمريض لكنه اشتهر في كتب التفسير أنهم تقدموا بهذا الاقتراح، على كل حال هو أعلنها صراحة أنه لن يعبد ما يعبدون.

وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{3}


وهذا خبر عنهم أنهم لن يعبدوا ما عبده النبي صلى الله عليه وسلم وهو الله عز وجل. وهنا أتى باسم الفاعل (عابدون) ولم يأت بالمضارع كالآية السابقة لأن هذا خبر عنهم في الحال أنهم لا يعبدون الله ولا يغيرون إشراكهم الآن ولكن هذا فيمن سبق عليهم الشقاوة وإلا فإن بعض الكفار أسلم بعد فصاروا يعبدون ما يعبده النبي صلى الله عليه وسلم لكن هذا لمن سبق شقوتهم كأبي جهل والوليد وأمية وغيرهم.
و(ما) اسم موصول وهو يعود على الله وقد مر معنا أن الأصل (من) للعالم و (ما) لغير العالم لكن لا مانع أن يكون اسم الموصول (ما) للعالم أو العاقل وقد سبق الكلام على هذا الأمر.

وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ{4}


هذه الجملة هي بمعنى الجملة السابقة وهي قوله: (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) ومن ثم قيل فيها عدة أقوال:
الأول: أن هذا للتأكيد فهذه الجملة تأكيد للجملة الأولى والكلام أحياناً يعاد بلفظه وأحياناً يعاد بشيء من التغيير لإرادة
التأكيد لكن هذا فيه نظر كما قال بعض العلماء لأن التأكيد تكون الجملة الثانية كالأولى وهذه مختلفة.
الثاني: أن الجملة الأولى لنفي الحاضر يعني لا تنتظروا ولا تتوقعوا مني عبادة في الحاضر والجملة الثانية في المستقبل فانقطع طمعهم وحصل لهم اليأس فلا يظفروا منه بتغير لا في الحاضر ولا في المستقبل.
الثالث: أن الجملة الثانية في العبادة يعني ليست عبادتي كعبادتكم ولا عبادتكم كعبادتي فهي نفي للعبادة لا للمعبود أي عبادتي ليست كعبادتكم عبادتي خالصة لله وعبادتكم شرك.
الرابع: أن الجملة الأولى (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ) لنفي الفعل فلا يمكن أن أفعل هذا الشيء وهي عبادة ما يعبده هؤلاء. والجملة الثانية (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّم) هذه لنفي القابلية والشيء القلبي فالأولى نفت الفعل الظاهر والثانية نفت القبول والإذعان الداخلي في القلب وهذا ذكره شيخ الإسلام بن تيمية ونقله عنه ابن كثير واستحسنه لأنه نفى الفعل بالجملة الفعلية (لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ). والثانية نفى بالجملة الإسمية (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّم) والنفي بالجملة الإسمية آكد فكأنه نفى الفعل ونفى أيضاً كونه قابلاً لذلك.
وهذا كله التماس من العلماء وإلا فالقرآن بحر لو اجتمعوا لم يحبطوا به ولا يبلغوا نهايته. وعلى كل حال: فالجملتان تدلان أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يعبد ما يعبده المشركون لأن دعوة المشركين تنافي دعوة النبي صلى الله علي وسلم من أصلها إذ كيف يبعث بالتوحيد ثم يناقضه بدعوة هؤلاء المشركين هذا لا يمكن.

وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ{5}


هذه الجملة كسابقتها ويقال فيها ما قيل في الجمل السابقة. ولكن هنا مسألة وهو أن نفي عبادتهم لله هذا فيمن سبقت عليهم الشقوة في علم الله وقضائه أنهم لن يسلموا سواء من عرف بعينه كأبي لهب وأبي جهل وأمثالهما أو غيرهم ممن بقي على كفره حتى مات. لأن من قال الجمل السابقة للحال والاستقبال أو رد عليهم هذا الإيراد وهو كيف نقول قوله تعالى: (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) والتي قبلها للحاضر وهذه للمستقبل، أو رد عليهم كيف نقول هذا وقد أسلم بعض من خوطبوا بهذا فالجواب: أن هذا فمن سبقت عليهم الشقاوة وهذا له نظائر أن الخطاب يكون للجميع لكنه يقصد به أشخاص معينين أو صنف معين فالخطاب هنا لجميع الكفار لكن يقصد به من سبق في علم الله أنه لن يسلم وأيضاً من كان كافراً ساعة الخطاب. وهذا كثير في اللغة العربية بل وفي القرآن أن يكون الخطاب للجميع ويراد به الخصوص كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ ..}آل عمران173. ومعلوم أن هذا لا يراد به جميع الناس فالصحابة رضي الله عنهم من الناس لكن يراد به الكفار الذين اجتمعوا لحرب النبي صلى الله عليه وسلم.

لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ{6}


في هذه الآية إعلان البراءة لهم والحكم الفاصل بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا جاءت البراءة هنا بالحصر فقدم ماحقه التأخير (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين) والأصل دينكم لكم وديني لي لكن للحصر قدم الخبر فقطع أطماعهم وأعلن أنه ثابت على هذا ولن يتغير عنه مهما كانت الظروف فدينكم لكم لا لغيركم وديننا لنا لا لغيرنا وليس معنى قوله (لكم دينكم) أن هذا إقرار لهم على دينهم أو أن دينهم صحيح أبداً لكن هذه الجملة لأجل البعد والمفاصلة يعني ما بقي إلا أن نفاصلكم ونبتعد غاية البعد عما أنتم عليه ما دام أنتم على ما أنتم عليه من الكفر وملازمين له فأنتم على ما أنتم عليه ونحن على ما نحن عليه من الحق والتوحيد.
هذه السورة يؤخذ منها أن القدر قد سبق بكفر بعض الكفار كأبي جهل وأمية وغيرها. وليس في هذا حجة للجبرية الذين يحتجون بالقدر فهناك من أسلم بعد قوله تعالى: (وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ). فالإنسان له الخيار وليس بمجبر والخيار لا ينافي القضاء والقدر إذا أن الإنسان مطالب بالعمل والقدر إلي الله جل وعلا.
ويؤخذ من هذه السورة: بطلان ما عليه دعاة التقريب بين الأديان وأن هذه دعوة باطلة ولا يمكن أن يكون هذا لأن الدعوة إلى تقارب الأديان فيه بطلان للشريعة وتكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه فاصلهم ولم يقترب منهم أو يقتربوا منه من حيث العبادة فهذه الدعوة فيها تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وتجهيله لأنه دعى اليهود والنصارى للإسلام وحاربهم. وفيه هدم للولاء والبراء وإحقاق للباطل وإبطال للحق لأن التقارب قد يؤدي إلى الميل بأن دينهم حق كدين الإسلام وأنها شرائع سماوية باقية وأنها على حق، والله المستعان.

تعليقات 1 | إهداء 0 | زيارات 9107


خدمات المحتوى


التعليقات
#8 Saudi Arabia [الرثيع المطيري]
1.13/5 (16 صوت)

14-08-1431 08:18
بارك الله فيك يا أبا يوسف وجعله في موازين أعمالك الصالحة


تقييم
0.00/10 (0 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

جميع الحقوق محفوظة لكل مسلم ومسلمة